معظم العاملين فى المجلس الأعلى للثقافة لا يعرفون غير د. جابر عصفور كأول
أمين للمجلس الأعلى للثقافة، عرفت ذلك حينما سألت عن تاريخ المجلس الأعلى للثقافة
وأسماء من تولوا منصب الأمين العام منذ إنشاءه، وهو معنى خطير ولافت لعلاقة وزارة
الثقافة كلها بشخص الوزير الجديد. فبداية المجلس الذى هو قلب وزارة الثقافة تبدأ
من جابر عصفور، ليس فقط لأنه صاحب أكبر فترة تولى فيها المنصب، ولكن لأن فى عهده انتقل
مقر المجلس من الزمالك (مقر جريدة القاهرة الأن) الى مقره الحالي فى أرض الجزيرة بالأوبرا.
لم يتولى قبل جابر عصفور المجلس اسم له وزن غير الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى. انتقل
د. جابر الى المركز القومى للترجمة فتولى بعدة على أبو شادي وكان رئيس جهاز الرقابة
على المصنفات الفنية بالمجلس، فى إطار اللعبة الأشهر داخل أروقة الوزارة وهى
الكراسى الموسيقية.
تولى جابر المجلس لما يقرب لعقد من الزمان منذ يناير 1993 حتى مارس 2006،
فى الفترة التى أحتاج فيها النظام المباركى دعم ثقافى استثنائي فى مواجهه الارهاب،
لذا يعتبر نفسة أحد أعمدة الوزارة الراسخة وهو تقريبا المثقف الوحيد صاحب ثقل ووزن
ثقافى ظل ملاصق لفترة طويلة جدا للنظام السابق. كمثقف محترف كان طموحة مشروع ثقافى
ينهى به مسيرته فى المجال الثقافى، فكان المشروع القومى للترجمة والذى شكله وكونه
إثناء فترة أمانته للمجلس، ليجد له ملاذ آمن بعد خروجه من المجلس.
جدد فاروق حسنى المنصب لجابر سنتان بعد إحالته على المعاش وهو الحد
الأقصى للتجديد ولهذا السبب تحديدا ظل المشروع بدون لائحة تنظيمية للعاملين به
وأكتفى بأنتدابات من المجلس الأعلى للثقافة ليظل على راسه حتى أتت الفرصة الغير
متوقعة له وهى وزارة الثقافة فى حكومة شفيق، الطريف أن عصفور لم يحصل على لقب وزير
سابق لأنه حضر اجتماع وزاري واحد والقانون ينص على أن يحضر اجتماعين وزاريين على
الأقل حتى يحصل على معاش وزير. فتولى الوزارة فى 31 يناير2011 وقفز منها بعد أول اجتماع وزاري فى 9 فبراير.
لم تكن جائزة القذافى فى دورتها الأولى 2009 هى الجائزة التى يحصل عليها
من نظام قامت عليه الثورة، فقد حصل قبلا على وسام الثقافة الفرنسى فى 1995 وبالطبع
حصل على جائزة الدولة التقديرية المصرية.
الوزير الحالى دائما محل تقدير من النظم القمعية التى ثارت عليها الشعوب فى الربيع
العربى، وبحصوله على منصب الوزير الأن يضع نقطه فى نهاية الربيع العربى ويثبت أن
النظم القديمة عادت بأشكال جديدة.
لم ينتبه كثيرون إن المعضلة فى جائزة الدولة الليبية ليست أن رفضها مثقفون
شرفاء أمثال الروائي والمستشرق الإسباني خوان غويتسولو فى حادثة تشبه كثيرا رفض
الروائى صنع الله ابراهيم لجائزة مؤتمر الرواية، بل لأن لجنة التحكيم التى منحت له
الجائزة كان على رأسها الروائي ابراهيم الكونى والذى فاز بجائزة مؤتمر الرواية
المصرية فى السنة التالية مباشره، فى أداء واضح للعبة "شيلنى وأشيلك".
طموح المثقف المحترف هى عدد من الكتب وعدد من التكريميات والجوائز، نفوذ
ثقافى متوغل، مشروع ثقافى ينهى به حياته. لذلك عندما فلتت أعصاب وزير الأعلام أنس
الفقى فى أول مجلس للوزراء فى حكومة احمد شفيق، فى أخر حكومة للرئيس المخلوع،
أنسحب لأنه شاهد السياسة بكل قذارتها وهو الذى أعتاد على لعب السياسة بوجهها
الناعم على طريقة وزير الحظيرة فاروق حسنى.
صاحب السبعين عاما الذى مازال يرى فى الثورة التى قدمت له الوزارة مرتان
مجرد نكسة، كيف له أن يقبل إشراك مجتمع مدنى ثقافى مع وزارة الثقافة أو تغيير فى
سياسات ثقافية يطرحها المثقفون. المثقف الذى رد جائزة القذافى على صفحات الجرائد
وتنصل منها، كيف له أن يقبل بتغيير فى جوائز الدولة وتركيبتها الفاسدة والتى لا
تواكب طموحات وتطلعات المثقفين. الفاصل أنتهى ونواصل أداء التدجين. الثلاث سنوات
الفائتة ما هى إلا تمهيد للفترة القادمة حيث سيكمل عمونا جابر عصفور مهمه فاروق
حسنى. يجب أن يدرك جابر ان سنوات الثورة صنعت معارض شرس لم يعد يجدى معه التدجين،
مثقف معارض رأى الطوق وكسره. السلطة ترى أن العجز الهيكلى فى الوزارة يخدمها لصنع
ثقافة السلطة. اختيار جابر الأن يدل على أن السلطة مازالت تراهن على المؤسسة. وكما
قال صديق : السؤال الثقافى صار خارج الوزارة سواء أبوا أو رضوا. صار خارج المؤسسة
فى الشوارع والميادين بفعل الثورة.
ولكن لم ولن يتعلم جابر أى درس؟ قَبل جائزة رفضها أخر وتناسى موقف صنع
الله، وقَبل وزارة فى حكومة محلب فى عهد السيسى فى حين كان عذره لرفض الوزارة فى
حكومة شفيق فى أخر عهد مبارك أنها حكومة حزب وطنى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
إذا كان عدم فهم الدروس خاضع لإغراءات السلطة، فلم لم يتعظ من دروس
الثورة ؟
No comments:
Post a Comment