ملحوظات على هامش سوق القاهرة للكتاب

صديق روائى أعطانى ورقة فيها أسماء كتب من العناوين الهلس الجديدة، وقالى شوف بنتى طالبه تشترى وتقرا أيه من معرض الكتاب، على آخر الزمن بنتى أنا تقرا الكلام ده. القايمة زفت الصراحة أولها هيبتا وآخرها إنستا حياه. وطبعا المعرض السنة دى بيكرر الحضور الجماهيرى الفزيع لكتاب زاب ثروت مع كتاب وليد ديدا واللى هو مغنى راب أصلا زى زاب.
وليا بعض الملحوظات على الموضوع دا بأكمله.
أولا: لازم نعترف أن الحدث اللى بيحصل فى أرض المعارض كل سنه؛ ليس معرض كتاب دولى، إنما هو سوق كتاب محلى شعبى، ودا فى حد ذاته مش عيب.
ثانيا: كل كاتب تعدى عمرة الثلاثون، لا ينكر أن بدايته قراءة روايات أدهم صبرى والمكتب رقم 19 والمغامرون الخمسة، ومحدش يقدر ينكر منا دلوقت أن الروايات دى بالنسبة لوعينا وكتابتنا وقراءتنا كانت مجرد هلس.
ثالثا: لو كتاب واحد جاب ألف شاب لمعرض الكتاب بس لمده يوم واحد، بصراحة أرفع له القبعة، مش عشان نجاحه فى التسويق، تؤ، عشان، دخل الشباب دول لمكان أول مره يدخلوه.
رابعا: والنبى بلاش الظياط، كل واحد يدخل يقولك باع 5000 نسخة فى حفل توقيع 3 ساعات، ليه يا عم الحاج، دا أكبر جناح فى المعرض (أقصد السوق) مفيهوش خمس تلاف كتاب، وكمان دا إحنا لو جبنا مازنجر بذات نفسيتة مش هيعرف يبيع العدد دا فى 3 ساعات، أرحمونا والنبى.
خامسا: قلت قبل كدا القارئ المصرى عنده مراهقة ثقافية، يعنى إحنا إتسحلنا بروايات عبير ورجل المستحيل وكبرنا ووعينا أتفتح لغاية ما بنقرا لسرماجو وماركيز وأكتر. لكن الشاب الأن بيقرا تلك النوعية وبيفضل معاها علطول، لعدة أسباب أولها أن مفيش حد بيرشده وثانيا معظم المثقفين بيكتفوا بتحقير تلك الكتابات وقرائها والظاهرة بأكملها مما يؤدى أن الشاب بيفضل هناك ولا يخرج من دائرة المراهقة الثقافية.
سادسا: والنبى أى حد مزعله الكتب دى، يروح يزور قاعة ألمانيا ب، يبص على العناوين الوهابية فى السحر والشعوذة وعذاب القبر ويبص كمان على الناس اللى خارجة ومحملة شنط سفر بعجل ممتلئة بالكتب.
سابعا: هندخل فى دايرة مفرغة من الأتهامات والتى لا تمت بصلة للموضوع من أول ثورة 25 يناير والوضع المنحدر للثقافة فى مصر لغاية السوشيال ميديا والبست سيلر، لغاية إمتى هنفضل نهاتى : النشر صناعة، قائمة على العرض والطلب والمبيعات. ولازم نفصل بين النشر كمهنة ووضع الكتاب فى مصر ككل. ويكون فى علم الجميع أن أكبر دور النشر بتنشر هلس برضو، لكن بنشر عناوين قيمة تحسن صورتها أمام الرأى العام الثقافى.
ثامنا: الكلام بتاع الزمن هيفرز، ملوش أى تلاتين لازمه، مش بس عشان مكرر وبدون أى دليل، عشان مش الزمن اللى هيفرز، القراء هما اللى هيفرزوا، بمعنى يكون عندنا ثقة شويتين فى القراء، يعنى الخمسة ألاف واحد اللى أشتروا الكتاب، ممكن منهم يقرا صفحتين ويرمى الكتاب، وشويه يحرموا يضيعوا فلوسهم وشويه تانين هيفكر ألف مرة قبل ما يشترى كتاب، واللى مش هيعرف، أكيد هيقع فى يدة مثلا رباعيات صلاح جاهين ويعرف كيف كان يقرأ هلسا لا يستحق.
تاسعا: لأن الشئ بالشئ يذكر، فى مبادرة مميزة هذه السنة وهى مبادرة الكتب على بطاقة التموين، المبادرة دى هيكون ليها أثار شديدة على سوق الكتاب ككل فى مصر، أولا: فى جهات غير وزارة الثقافة بدأت تهتم بالثقافة كسلعة، وهذا أمر لو تعلمون عظيم ورائع. كمان المقارنة فى حسابات الناس بين الكتاب ورغيف العيش هتبقى ملموسة، مش بس أن معاك قرشين هتروح تضيعهم فى شرا كتاب. ثالثا: قابلت مثقفين مكنوش يعرفوا أو يدركوا قيمة الدعم الهزيل الذى تقدمة الدولة للناس عندما يتم وضعه أمام الكتاب. يعنى كتاب بخمسين جنية لو أشتريتة ببطاقة التموين يعنى حرمت أسرة من أربعة أفراد من رغيف العيش المدعوم أم شلن لمدة شهر كامل. مستوعبين خطورة الموقف وروعتة.
عاشرا وأخيرا: الفكرة وراء الجماهرية والشهرة وحتى أرقام المبيعات هى العثور على قارئ. أعثر على قارئك وتعالى زى ما أنت عاوز على البست سيلر والهلس بكافة أشكاله الأدبية.

أخر وزير ثقافة

في يناير 2011، رفع ميدان التحرير شعار "الكذب حصري على التليفزيون المصري"، وفي يوليو 2013، كررت د. درية شرف الدين مقولة إنها آخر وزيرة للإعلام بعد ثلاثة تولوا المنصب بعد ثورة 25 يناير، فقد ظل قرار إلغاء وزارة الإعلام متوقعًا مع مشاورات تشكيل كل الحكومات التي أعقبت ثورة يناير، غير أنه مع الإعلان عن التشكيل النهائي للحكومة، تخيب الظنون، ويخرج الوزير المعين ليقول إنه يتمنى أن يكون هو "آخر وزير للإعلام"، وأخيرًا تركتها درية شرف الدين في يونيو 2014 محققة أمنية آخر وزير إعلام. فهل تم إلغاء وزارة الإعلام حقًا؟

تابع المقال على موقع مدى مصر

تمويل العمل الثقافي في مصر: الميزانيات



"بالجهود الذاتية" هكذا بدأ تمويل العمل فى مصر ويكفيهم مع صدور العمل المكسب الثقافى وتعويض ولو جزء من رأس المال، لم تؤدى هذه الطريقة والتى كانت تعتمد بالأساس على العمل التطوعى وفريق عمل صغير الى نتائج ملموسة، وإن كانت بعض التجارب قدمت نتائج مؤثرة وقوية ولها فضل الريادة. فى ذلك الوقت كان العمل الثقافى  يحمل بين طياته رائحة شك وتشكك وريبة. فقد كان أى "منتج" يخرج من خارج سياق المؤسسة الثقافية الرسمية، يثير التساؤلات من حوله. بعدها فى بداية الألفية الجديدة، بدأ ظهور مصطلح آخر هو " مستقل"، "فرقة مستقلة"، "مجلة مستقلة"، مع بدء تدفق الدعم الأجنبي للمجال الثقافى والذى لم يكن معتادا من قبل. فى البداية وقعت كثير من الجهات المانحة فى فخ النصب وعدم جدوى أو تأثير المردود الثقافى فى مقابل المنح المقدمة، ولكن التدفق الأجنبى لم يتوقف وأبتكر قنوات وأساليب جديدة لصب الدعم فى الأماكن الصحيحة ومراقبة عملها، فظهرت مؤسسات مثل "التاون هاوس" و"المورد الثقافى".. لم تتدخل تلك المؤسسات فى صلب العمل الثقافى ولكن تدخلت فى طريقة عمله والذى بالأساس كان يتسم بالعشوائية. هذه الطريقة احدث طفرة فى العمل الثقافى ولكنه لم يكن كافيا لتلبية طموح جيل جديد من شباب العاملين فى المجال الثقافى المستقل. بدأ الاتجاه لإعداد مديرين ثقافيين ليتكفلوا بصنع مؤسساتهم الثقافية المستقلة وهو قائم على علم "الإدارة الثقافية" المنتشر فى العالم أجمع.  ويقول الشاعر السكندري علاء خالد[1] صاحب مجلة "أمكنة" المستقلة : {كل هذا كان يحدث تحت سمع وبصر ثقافة ضعيفة أختلط فيها الحابل بالنابل منذ زمن، ولم تعد بها أى أشكال للمقاومة أو حتى للجدل مع أى مستجد حديث، ولم يعد لديها أى طموح لخلق " ثقافة بديلة". وبمرور الوقت اختفى مصطلح "بالجهود الذاتية" الذى كان عبارة عن تضحية شخصية من مجموعة من الأفراد}.
الكل يعمل فى ظروف غاية فى الصعوبة، الدولة التى تحاول أن تسيطر على المجتمع المدنى أيام مبارك، الأن تحاربه،  والاتهامات بالتخوين والعمالة تملئ أروقة المؤسسات الرسمية، وهذه الصور هى بالأساس التى ساعدت على صنع "ثقافة ضعيفة يختلط فيها الحابل بالنابل" كما يصفها علاء خالد. وعموما سأتكلم هنا عن المؤسسات التى تتلقى دعم وتمويلات والتى تعمل فى المجال الثقافى فقط.

مقدمة فى السياسة الثقافية لمصر



بدأ تأسيس وزارة للثقافة فى مصر تحت مسمى وزارة الأرشاد القومى مع قيام الضباط الأحرار بحركتهم المباركة، واستقلت للثقافة مع تولى ثروت عكاشة فى نوفمبر 1958 وحينها أصبح لمصر شرف إنشاء أول وزارة للثقافة فى الوطن العربي وأفريقيا، والثامنة على مستوى العالم، وتأسست بها مؤسسات ثقافية اعتمادا على أرث ثقافى من الحقبة الملكية، والجدير بالذكر أن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب تأسس سنه 1956 تحت رئاسة يوسف السباعى (وهو أحد الضباط الأحرار مثل ثروت عكاشة) . ارتبطت الثقافة (كمؤسَّسات وسياسات) منذ ذلك الوقت بمصر ارتباطًا وثيقًا بنظام الحكم العسكرى، الذى سعى للسيطرة على المؤسَّسات كافة بما فيها المؤسَّسات الثقافية، والصحف ودور النشر التى تم تأميمها. أخذ النظام الجديد (حركة الضباط الأحرار التى قامت بالانقلاب على الملكية) على عاتقه خلق حاله دعائية باستخدام الفن والثقافة عن طريق الإرشاد القومى. تلونت السياسة الثقافية فى مصر منذ ذلك الحين بأهواء حكامها ومصالحهم بدون اهتمام ولو ضعيف بالثقافة، كمفهوم ومعنى، فى ذاتها. الاشتراكية هى السمة الواضحة لتلك الحقبة (حكم جمال عبد الناصر) أما انفتاح السادات فقد أدى لارتباك ثقافى معقد خصوصا مع زمن اللاسلم واللاحرب ومعاهدة كامب ديفيد والتطبيع (القسرى بعد النصر)، وتشجيع التيار الإسلامى كوسيلة للقضاء على الأفكار اليسارية وتنامى التيارات الإسلامية الجهادية المسلحة، مما أدى الى تدهور ولأوضاع قصور الثقافة، والمتاحف، والمسارح. أما فى العصر محمد حسنى مبارك فبداية سياسة "لم الشمل" التى تحولت الى سياسة الحظيرة الى الخصخصة والليبرالية الجديدة، التى حوَّلت الثقافة والتعليم وجميع الخدمات الأساسية إلى سلع مسعَّرة، مما أدى الى ازدواجية الرؤى، التى تتأرجح بين التزمت والتخلف من جهة، والتحرر السطحى من جهة أخرى.

بعد إنشاء وزارة الثقافة وضع أربعة من وزراء الثقافة سياسة ثقافية منشورة، ثروث عكاشة في عام 1968 باسم السياسة الثقافية، وبدر الدين أبو غازي في عام 1971 باسم برنامج العمل الثقافي، كما وضع عبد المنعم الصاوي عندما كان وكيلا أول لوزارة الثقافة مشروعا لسياسة ثقافية، وجدت طريقها للتنفيذ عندما تولى الوزارة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ثم فاروق حسني عندما تولى وزارة الثقافة في عام 1987، ثم في سنة 1998 وقد صدرت في كتاب بعنوان "الثقافة ضوء يسطع في سماء الوطن"، أعقبها بخطة ثانية عام 2003، باسم "الثقافة بنية وتوجه". 
السمه الغالبة على السياسة الثقافية التى يقدمها رجال الدولة هى سياسة ثقافية لخدمة الدولة، عكس المفهوم المتداول الأن بعد الثورة والذى يتبناه المثقفون وهو سياسة ثقافية لكل المصريين. فى كتاب أزمة المثقفين لمحمد حسنين هيكل والذى نستطيع بكل ثقة أن نعتبره العقل المنظر والضمير الواعي لنظام يوليو من جمال عبد الناصر الى السادات، أتهم المثقفين بالنخبوية وابتعادهم عن الشارع والواقع فى مقابل المسئولية التاريخية التى حمل عبئها الضباط الأحرار. لقد ظلت مسئولية رسم السياسات الثقافية في مصر منذ الستينات تقتصر على الوزير المسؤول عن الثقافة، وربما على حلقة ضيقة من الخبراء والمسئولين في القطاع الحكومي. يمثل هذا أكبر انتقاد لها ويثبت بما لا يدع للشك أنها سياسة ثقافية لخدمة الدولة. أول طرح لرؤية ثقافية مغايرة كانت فى مشروع الفنان عادل السيوى " تحرير المجلس الأعلى للثقافة من سلطة الوزارة وإعادة هيكلته كمجلس مستقل" قبل الثورة. وثانى مشروع جاد قام به : أحمد إسماعيل (مخرج مسرحي)، حمدي الجزار (قاص وروائي)  رفعت سلام (شاعر)، عز الدين نجيب (فنان وناقد تشكيلي)" وهو الدستور الثقافى    2011بعد الثورة.

عن معنى التدجين: 3: مقدمة فى السياسة الثقافية لمصر




استكمالا للمقال السابق حول تأريخ لابد منه لوزارة الثقافة، نرجع لبداية إنشاء الوزارة وعلاقتها بصنع سياسة ثقافية لمصر كتمهيد لا غنى معنه لبيان معنى التدجين الذى مارسته المؤسسات الثقافية الحكومية على المثقفين.
لعلى أستهل أن البحث عن معنى تدجين المثقفين أمر صعب، المعنى نفسة هلامي فيصعب الإمساك بتلابيبه، ولكنى عبر مجموعة من التواريخ وأساليب المؤسسة الرسمية واستراتيجياتها سأبين أن "حظيرة المثقفين المتمثلة فى وزارة الثقافة المصرية" ليست بعيدة عن محاولاتها صنح مثقف داجن ولائه للمؤسسة الرسمية.
بدأ تأسيس وزارة للثقافة فى مصر تحت مسمى وزارة الأرشاد القومى مع قيام الضباط الأحرار بحركتهم المباركة، واستقلت للثقافة مع تولى ثروت عكاشة فى نوفمبر 1958 وحينها أصبح لمصر شرف إنشاء أول وزارة للثقافة فى الوطن العربي وأفريقيا، والثامنة على مستوى العالم، وتأسست بها مؤسسات ثقافية اعتمادا على أرث ثقافى من الحقبة الملكية.
والجدير بالذكر أن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب تأسس سنه 1956 تحت رئاسة يوسف السباعى (وهو أحد الضباط الأحرار مثل ثروت عكاشة). ارتبطت الثقافة (كمؤسَّسات وسياسات) منذ ذلك الوقت بمصر ارتباطًا وثيقًا بنظام الحكم العسكرى، الذى سعى للسيطرة على المؤسَّسات كافة بما فيها المؤسَّسات الثقافية، والصحف ودور النشر التى تم تأميمها. أخذ النظام الجديد (حركة الضباط الأحرار التى قامت بالانقلاب على الملكية) على عاتقه خلق حاله دعائية باستخدام الفن والثقافة عن طريق الإرشاد القومى.

عن معنى التدجين :2: لعبة الكراسى الموسيقية




كنت أريد أن أكتب هنا عن معنى التدجين وبالفعل كتبت حوالى 800 كلمة، حتى علمت أن وزير الثقافة جابر عصفور أختار (وحط تحت أختار دى شويه خطوط)(وفى قول أخر أنتدب) حلمى النمنم لرئاسة دار الكتب والوثائق القومية، كان رد فعلى أن جابر عصفور يعين (أو ينتدب) قيادات وزارة الثقافة على هواه ويختار من قائمة جاهزة فى درج مكتبة وحدث أنه فى اليوم التالى مباشرة قرأت أن د. عبد الناصر حسن سيتولى هيئة قصور الثقافة، انتظرت حتى تم تأكيد الخبر، وعندها نقلت الـ800 كلمة لمكان أخر وقررت الكتابة عن معنى التدجين من الحادث هنا والأن.
تولى صابر عرب رئاسة دار الكتب والوثائق القومية سنه 2005 الى 2011، وعندما تولى وزارة الثقافة خلفا لد. شاكر عبد الحميد، كان أول تغيير فى قيادات الوزارة قام به عندما تولى وزارة الثقافة من نصيب د. زين عبد الهادى رئيس دار الكتب والوثائق القومية التالى له، عندما انهى انتدابه من الهيئة بسبب تأخر خطاب الموافقة على انتدابه من جامعة حلوان، وكلف ليلى جلال رئيس دار الكتب بباب الخلق للقيام بمهام أعماله، حتى آتى د. عبد الناصر حسن من عمادة كلية الآداب بجامعة عين شمس ليتولى المنصب.
أقال علاء عبد العزيز وزير الثقافة الأسبق المحسوب على الإخوان فى عهد الرئيس المخلوع مرسى، د. عبد الناصر حسن من دار الكتب والوثائق القومية، ووضع بدلا منه د. خالد فهمى (وهو بالمناسبة أحد تلاميذ د. عبد الناصر حسن فى جامعة عين شمس). بدون الدخول فى تفاصيل فترة د. خالد فهمى، فعندما تولى صابر عرب وزارة الثقافة بعد 30 يونيو المجيدة أعاد د. عبد الناصر حسن الى منصبة السابق.

صفعة على وجه المثقف علّه يفيق


بأي معنى يصبح المثقف انتقاليًا؟ أعتقد بأنه سيكون تبسيطا شديدا إذا وضعناه في فترتين زمنيتين مختلفتين قائلين : إنه بين المثقف الأبوي الذى تشكل وعيه فى ظل أنظمة استبدادية قبل ثورة 25 يناير، وأخر تشكل بمعزل عن الممارسات والأليات التى تورطت فيها الحياة الثقافية المصرية على مدار عقود من النظام السابق. ففى الكتاب الذى صدر عن دار روافد لدكتور شيرين أبو النجا يرصد حال المثقف المصرى حين صدمه الواقع المباشر للثورة بمفاهيمها وتجلياتها فى تلك المرحلة الانتقالية التى نعيشها حتى الآن - المجلس العسكرى ومحمد مرسى وعدلي منصور- وجعلته تحتك ويتفاعل رغما عنه فى النظريات والدراسات التى يتشدق بها طوال العهود السابقة. قد يرصد الكتاب جيل جديد من المثقف ينهل من مرجعيات مختلفة فى مواجهه المثقف التقليدي (الابن البار للمؤسسة) الذى أصبح يسعى جاهدًا إلى حماية الثقافى من السياسى، لأن هذا السياسى قد اختزل الى الدينى، ثم اختزل فى محاولة فرض قيود على الفن والإبداع وبالتالي وقع هذا المثقف التقليدي فى طريق مسدودة بعد الثورة. فى حين أن الجيل الجديد لا تؤزمه تلك العلاقات المعقدة وينفتح على المؤسسات الثقافية العالمية وابتكر طرق جديدة لتمويل عملة الثقافى والتحرك خارج أطر السلطة.

عن معنى التدجين: 1 : تأريخ لابد منه




 كان منصور حسن أول "وزير دولة" لوزارة الثقافة والأعلام، وكاد أن يطبق سياسة معينة على وزارة الثقافة، يشير لها د. عماد أبو غازى فيقول:" تراجع دور الدولة في العمل الثقافي لتنتهي تلك المرحلة بإلغاء وزارة الثقافة ليحل محلها المجلس الأعلى للثقافة مع الإبقاء على هيئة الآثار وهيئة الكتاب وتحويل تبعية قصور الثقافة للمحليات، وتحول وزير الثقافة إلى وزير دولة للثقافة والإعلام، وقد جاء ذلك في سياق سياسة جديدة للدولة لإلغاء الوزارات الخدمية وتحويلها إلى وزارات دولة، وتولت المحليات جزءًا أساسيًا من مسئولية القطاع الخدمي" [1] وتولى مسؤولية تنفيذ هذه الهيكلة منصور حسن.
 أعاد هيكلة المجلس الأعلى للثقافة ووضع تحت إشرافه معظم المؤسسات الثقافية, وهو ما كان يتسق مع أهداف إنشاء الحزب الوطنى الديموقراطي عام 1978، للقضاء على مركزية الدولة. تشير التغيرات التى أقامها منصور حسن على هيكل الوزارة أنها تؤدى إلى إلغاء وزارة الثقافة.
لن نستطيع تجاهل أن السادات قام بتفكيك المشروع الناصري الوطنى التنموي، تلك السياسة التى أدت - فى الاقتصاد خصوصا -الى انفتاح السداح مداح أو رأسمالية المحاسب. لكنه فى الثقافة كان هدفه تقليص بنية وليدة من المشروع الناصرى، ونحمد الله أن رجال الأعمال لم يكونوا مهتمين بالمشروعات الثقافية فى ذلك الوقت وإلا كانت سياسة الحزب الوطنى (الساداتى) أخذت شكلا أخر.

رهاننا الدكتور



على قدر الشدة تأتى العزائم، وعلى قدر شدة جابر عصفور وزيرا للثقافة تأتى مقالات قويه تعارضه بدون الدخول فى ترهات سادت فى الآونة الأخيرة عند اختيار وزيرا للثقافة خلال الثلاث سنوات الفائتة. أخترت "رهان الدكتور" عنوانا للمقال وفى نيتى الرد على مقال أخر بنفس العنوان أثارني لكمية النفاق التى يمتلئ بها لجابر عصفور. ولكنى فكرت أنى  لن أزيد على ما يقال، فسجل سقطاته التى يرصدها عليه المثقفون يباهى الكتاب الأسود الذى كتبة مكرم عبيد فى حق مصطفى النحاس، رغم ذلك يلقى علينا أصدقائه وأحبائه قفاز ثقل المفكر الثقافى ليخرسوا ألسنتنا فى معارضة الوزير الحالى، الحقيقة أن هذه الفرية لها رد، فهو ليس أكثر من موظف كبير فى الدولة بتاريخ أكاديمي فى الجامعة وعدة كتب نقدية، فما يميزه حقا هو النفوذ الثقافى المتوغل فى مصر والوطن العربي. يذكرني دفاع أصدقائه بثقافة الرجل العالية التى تؤهله للمنصب، باحترام الكبير والأبوية المفرطة التى كان يكنها الكثيرون لمبارك عندما قامت عليه الثورة، نفس المنطق، قيم توارثناها تظهر لتخرس ألسنتنا وجهودنا للتغيير.
نحن لم نثر على مبارك لأنه قطع عنا المصروف فى تصرف أبوى، بل لأن نظامه فاسد ونحن نرفض جابر عصفور ليس فقط لأنه أحد رجالات دولة مبارك الفاسدة، بل لأننا لا نريد العودة للحظيرة فى ثوبها الجديد. نحن لا نستحق نكأ جراح الثورة، صورة التشكيل الوزاري تخرج لسانها لنا والحكومة الجديدة بأكملها اليوم تصرخ فى وجهنا بكل عزمها: نعم الثورة فشلت.
ليس على طريقة رسائل للرئيس أو للوزير، سأناقش بعض المشاكل الجوهرية فى وزارة الثقافة والتى لن يقدر على حلها جابر عصفور لعدة أسباب أهمها أنه مهندس وجزء من الإشكاليات القائمة؛ فثمة قاعدة بسيطة تقول: " إنك لا تستطيع حل مشكلة باستخدام نفس الذهنية التي أنتجتها في البداية".

جابر عصفور ... صفعة الثورة لن تجعله يفيق


معظم العاملين فى المجلس الأعلى للثقافة لا يعرفون غير د. جابر عصفور كأول أمين للمجلس الأعلى للثقافة، عرفت ذلك حينما سألت عن تاريخ المجلس الأعلى للثقافة وأسماء من تولوا منصب الأمين العام منذ إنشاءه، وهو معنى خطير ولافت لعلاقة وزارة الثقافة كلها بشخص الوزير الجديد. فبداية المجلس الذى هو قلب وزارة الثقافة تبدأ من جابر عصفور، ليس فقط لأنه صاحب أكبر فترة تولى فيها المنصب، ولكن لأن فى عهده انتقل مقر المجلس من الزمالك (مقر جريدة القاهرة الأن) الى مقره الحالي فى أرض الجزيرة بالأوبرا. لم يتولى قبل جابر عصفور المجلس اسم له وزن غير الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى. انتقل د. جابر الى المركز القومى للترجمة فتولى بعدة على أبو شادي وكان رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بالمجلس، فى إطار اللعبة الأشهر داخل أروقة الوزارة وهى الكراسى الموسيقية.
تولى جابر المجلس لما يقرب لعقد من الزمان منذ يناير 1993 حتى مارس 2006، فى الفترة التى أحتاج فيها النظام المباركى دعم ثقافى استثنائي فى مواجهه الارهاب، لذا يعتبر نفسة أحد أعمدة الوزارة الراسخة وهو تقريبا المثقف الوحيد صاحب ثقل ووزن ثقافى ظل ملاصق لفترة طويلة جدا للنظام السابق. كمثقف محترف كان طموحة مشروع ثقافى ينهى به مسيرته فى المجال الثقافى، فكان المشروع القومى للترجمة والذى شكله وكونه إثناء فترة أمانته للمجلس، ليجد له ملاذ آمن بعد خروجه من المجلس.