عن معنى التدجين: 1 : تأريخ لابد منه




 كان منصور حسن أول "وزير دولة" لوزارة الثقافة والأعلام، وكاد أن يطبق سياسة معينة على وزارة الثقافة، يشير لها د. عماد أبو غازى فيقول:" تراجع دور الدولة في العمل الثقافي لتنتهي تلك المرحلة بإلغاء وزارة الثقافة ليحل محلها المجلس الأعلى للثقافة مع الإبقاء على هيئة الآثار وهيئة الكتاب وتحويل تبعية قصور الثقافة للمحليات، وتحول وزير الثقافة إلى وزير دولة للثقافة والإعلام، وقد جاء ذلك في سياق سياسة جديدة للدولة لإلغاء الوزارات الخدمية وتحويلها إلى وزارات دولة، وتولت المحليات جزءًا أساسيًا من مسئولية القطاع الخدمي" [1] وتولى مسؤولية تنفيذ هذه الهيكلة منصور حسن.
 أعاد هيكلة المجلس الأعلى للثقافة ووضع تحت إشرافه معظم المؤسسات الثقافية, وهو ما كان يتسق مع أهداف إنشاء الحزب الوطنى الديموقراطي عام 1978، للقضاء على مركزية الدولة. تشير التغيرات التى أقامها منصور حسن على هيكل الوزارة أنها تؤدى إلى إلغاء وزارة الثقافة.
لن نستطيع تجاهل أن السادات قام بتفكيك المشروع الناصري الوطنى التنموي، تلك السياسة التى أدت - فى الاقتصاد خصوصا -الى انفتاح السداح مداح أو رأسمالية المحاسب. لكنه فى الثقافة كان هدفه تقليص بنية وليدة من المشروع الناصرى، ونحمد الله أن رجال الأعمال لم يكونوا مهتمين بالمشروعات الثقافية فى ذلك الوقت وإلا كانت سياسة الحزب الوطنى (الساداتى) أخذت شكلا أخر.

اعترض منصور حسن على اعتقالات سبتمبر 1981 التي حصلت قبل اغتيال الرئيس محمد أنور السادات بفترة وجيزة، فقدم استقالته احتجاجا على قرارات يطبقها السادات وحده[2]. عندها أُسند السادات الثقافة (فقط) من سبتمبر 1981 لمحمد عبد الحميد رضوان حتى سبتمبر 1985 وتولى بعده المنصب الدكتور أحمد هيكل حتى عام 1987.
محمد عبد الحميد رضوان هو أحد مؤسسي الحزب الوطنى الديمقراطي مع منصور حسن وعهد السادات إليه بوزارة الدولة بعد استقالة منصور حسن وبقى فى الحكومة الأولى للرئيس الجديد محمد حسنى مبارك وبدأ معه سياسة "لم الشمل" التى تطورت بعد ذلك الى سياسة "الحظيرة"، خرج من الوزارة لوفاته وتولى بعده أحمد هيكل الذى كان من المحافظين ولم يكن لدية المرونة الكافية لتطبيق هذه السياسة، ففى أول تغيير وزاري لرئاسة مجلس الوزراء عاطف عبيد أختار فاروق حسنى ليتولى الحقيبة الوزارية بعد أن أصبحت وزارة كاملة وليس وزارة دولة.
عاطف صدقى أختار فاروق حسنى وزيرا للثقافة من الصداقة التى جمعت بينهم فى باريس، فى أكتوبر 1987 تولى فاروق حسنى منصب وزير للثقافة ليكون صاحب أطول مدة فى تولى هذا المنصب حتى 28 يناير 2011.
وينسب لفاروق حسنى القيام بمساعدة المخابرات المصرية لإنقاذ أحد العناصر الفلسطينية فى إطاليا.
فى فترة حكم السادات، كانت وزارة الثقافة حائرة فى سياستها بين الوزراء والحقائب الوزارية، الإعلام والثقافة، ولم تستقر إلا فى عهد فاروق حسنى، ورغم طول فترة توليه الوزارة التي ساعدته فى تطوير هيكل الوزارة ككل، وإنشاء قطاعات ومراكز قومية، إلا أنه أهتم بالبناء الأدارى والإنشاءات وبناء المؤسسات أى بتوسيع نفوذ ومنطقة مملكته. بينما أهمل بناء ثقافة حقيقية؛ وضع رؤية ورسالة وأهداف واضحة لكل مؤسسة، استراتيجيات وسياسة قوية وواضحة. يظهر هذا من متابعة قرارات الأنشاء لكل المؤسسات التى لم تتغير لفترات طويلة.
الظرف السياسى هو ما جعل الدولة فى بداية حكم مبارك تغير نظرتها تجاه سياسة ثقافية تخص الدولة ككل، بمعنى أنه نفس المنطق الذى استعمله جمال عبد الناصر وثروت عكاشه[3]، لكن فى خدمة هدف أخر هو رأب الصدع على المستوى الداخلى، وتدارك الأثر السيء من قرارات سبتمبر وحادث اغتيال السادات، وعلى المستوى الخارجى لرأب القطيعة مع العرب بعد اتفاقية كامب ديفيد.
يجب أن نربط هذا أيضاً بمعركة استعادة طابا  1989، والتى لولا الإسهام الثقافى فيها ما نجحت[4]. وكان هذا الانتصار الثقافى فى بداية حكم مبارك هو ما جعلة ينظر باهتمام متزايد للوزارة. ولأن الوزارة على مدى سنوات فاروق حسنى تضخمت واستدعت مناصباً إدارية ووظيفية ومالية جديدة، ظهرت الحاجه إلى موظفين فى المجال الثقافى من المثقفين. أعتمد على مثقفين أنتجهم الواقع الأجتماعى والسياسى والثقافى للبلد، وكان الأسهل طبعا لدمجهم فى المنظومة حفنه من الجوائز والمنح والمناصب.
وكان الخطأ التاريخى الذي ارتكبه فاروق حسنى هو عدم الاهتمام بالتنمية البشرية وبناء كوادر شابة جديدة للقيام بمهامها فى الجهاز الحكومى، واكتفى بأشخاص مازالت موجوده حتى الأن.
ولسيطرة أسماء وشخصيات على المشهد وتوليها المناصب الحكومية على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية جعلت من تلك المؤسسات كيانات مشوهة، فأنصب جام غضب المثقفين عليها لأنهم لا يستطيعون النيل من شخصيات ثقافية محترمة ترأست هذه الكيانات. وراج مصطلح الحظيرة الذى يعنى بشكل ما الأن محاولات تدجين المثقفين تحت مظلة السلطة. لم يقصد فاروق حسنى هذا المعنى عندما صرح بهذا اللفظ، فقد كان الوضع الثقافى المصرى فى حاله سيئة جدا من قبل قرارات سبتمبر 1981، فقد ظهرت الحاجه للمّ الشمل على كلا المستويات وإعادة المثقفين لحظيرة السياسة المصرية.  رغم ذلك فمصطلح الحظيرة اكتسب مدلولاته بعد ذلك، وصارت محاولات السلطة لتدجين المثقفين حقيقية وملموسة.
يتبع


[1] د. عماد أبو غازى.. الثقافة فى زمن التحولات .. تحت النشر
[2] وكان هناك حديث إن الرئيس محمد أنور السادات كان سيعينه نائبًا للرئيس بدلًا من محمد حسني مبارك، وإن جيهان السادات هي من رشحته لهذا المنصب، وقد سبب هذا الحديث أن تتدهور العلاقة بين مبارك ومنصور. كما إنه لم يتعاون مع الرئيس محمد حسني مبارك بعد توليه الرئاسة سوى بموضوع واحد وهو عندما كلفه مبارك بالسفر إلى الأردن والاجتماع مع الملك حسين الذي كان زميلًا له في كلية فيكتوريا، وقد نجح في مهمته، وكان الأردن هو أول بلد عربي يعيد علاقته الدبلوماسية مع مصر.
[3] كان جمال عبد الناصر ينظر للثقافة على أنها سلاح ضد الإمبريالية والاستعمار والقوى الرجعية المضادة للثورة، فهؤلاء يصدروا ويغذوا بثقافتهم الشعب المصرى، فلم لا يقاوم بسلاح الثقافة وبما أن النظام الوليد يسيطر على مناحى وأدوات الأنتاج فى كافة أنحاء الدولة المصرية فلما لا يحتكر أدوات إنتاج الثقافة، تبنى ثروت عكاشة هذا المفهوم وبنى أدوات جديدة وطور فى أدوات قديمة لينشئ الوزارة
[4] قام وقتها الدكتور يونان لبيب رزق دراسة بعنوان "الأصول التاريخية لـطابا"، والتي اعتمد فيها بشكل كبير على مصادر وثائق من دار الكتب والوثائق القومية.

No comments: